لماذا يصيبك الآيس كريم بالصداع؟
بي بي سي عربية - يأتي أحد أكثر أنواع الصداع إيلاما من تناول أطباق الحلويات المثلجة التي يفضلها كثيرون منا. وبحسب بعض التقديرات، هناك واحد من بين كل ثلاثة أشخاص يصاب بما يعرف بـ "صداع الآيس كريم"، أو "تجمد الدماغ"، كما يطلق على هذه الظاهرة أحياناً.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه الألم المصاحب لتناول المثلجات معروفاً منذ وقت طويل، إلا أن أسبابه مازالت موضع نقاش.
ظهر الحديث مكتوباً لأول مرة عن الصداع الذي تسببه المثلجات عام 1939. وقد كتبت ريبيكا تيمبريس في كتابها بعنوان "نحن لم نسأل عن مدينة فاضلة: عائلة مسيحية في روسيا السوفيتية" تقول: "لكن أنفك وأطراف أصابعك تتخدر تماماً، وإذا لم تستمر في فرك جبهتك فسوف تصاب بما اعتدنا أن نسميه صداع الآيس كريم".
بينما نوقش الأمر في كتب الطب منذ أواسط القرن التاسع عشر. وفي عام 1988 أقرت الجمعية العالمية للصداع رسمياً بهذه الحالة التي أطلق عليها طبياً اسم "الصداع الناتج عن البرد".
وقد أجمعت مجموعة دولية من باحثي الصداع في بحث نشر عام 2013 أن صداع الأيس كريم الذي أشير إليه باسمه الطبي "الصداع الناتج عن البرد" يتمثل في حدوث آلام تبدأ بسبب محفز بارد في الرأس أو الفم، وينبغي أن يعالج بعد وقت قصير من إزالة المادة الباردة.
وبينما يتركز الألم بشكل عام خلف الجبهة، فإنه يمكن أن يحدث قريباً من الأذن، أو خلف العينين. وبغض النظر عن مكان الشعور بالألم، دائماً ما يكون صداع الأيس كريم مركزاً ويستمر لفترة قصيرة، كما يمكن أن يخبرك أي شخص تعرض للإصابة بتجمد الدماغ ، إنها تجربة غير سارة على الإطلاق.
ولأن الصداع الذي تحفزه المادة المثلجة مرتبط بسقف الحلق، هناك حزمة من الأعصاب تنقل الإحساس من سقف الحلق إلى الدماغ.
ويعتقد أن الألم يأتي من تمدد وانقباض الأوعية الدموية كاستجابة لوجود ذلك المحفز البارد. فبمجرد الشعور بالبرد، تستجيب أجسامنا بإرسال دفقات من الدم الدافيء إلى الدماغ كترياق. التغير السريع في تدفق الدم هو الذي ربما يكون مسؤولاً عن ذلك الألم.
بعض المحاولات المبكرة لفهم ذلك النوع من الصداع تشير إلى أنه ربما يكون نوعاً متفرعاً من الصداع النصفي، لأن كلاهما ينطوي على ردود فعل مضطربة استجابة للشعور بمحفز خارجي. كما أن اتساع وانقباض الأوعية الدموية الذي يحدث خلال صداع "الأيس كريم" يمكن أن يفسر بعض أنواع الصداع النصفي.
آخرون قالوا إن ألم صداع الأيس كريم هو نوع من الألم الغامض لكنه ظاهرة معروفة جداً يسبب فيها المحفز في أحد أجزاء الجسم آلاماً في جزء آخر. الرابط بين صداع الأيس كريم والصداع النصفي ليس مفهوماً بشكل كامل مع أن هذا الربط مقبول بشكل عام.
وتوصلت دراسة أجراها طبيب الأعصاب بيتر ماتسون من مستشفى جامعة السويد عام 2001، إلى أن النساء اللاتي تعرضن للصداع النصفي مرة واحدة على الأقل خلال السنة السابقة من المرجح أن يصبن بالصداع نتيجة الماء البارد بنسبة 50 في المئة مقارنة بالنساء اللواتي لم يتعرضن للإصابة بالصداع النصفي.
الحنك والدماغ
وفي عام 2004، قام طبيب أعصاب تركي اسمه ماشيت سيليكلر بجمع المرضى الذين اشتكوا إما من الصداع النصفي أو الصداع الناتج عن التوتر. ثم قام مع زملائه بإجراء تجارب طلبوا خلالها من المرضى أن يحتفظوا بمكعب ثلج داخل الفم.
وكانت نتيجة التجربة هي التسبب في الصداع لنحو 60 في المئة من المرضى، ومن بين هؤلاء، كان أكثر من 80 في المئة من مجموعة الصداع النصفي.
واكتشفت طبيبة الأعصاب التايوانية جونغ لينغ فو أشكالاً مشابهة بين المراهقين التايوانيين. وقد أجرت مع مجموعة من زملائها بحثا مسحيا على حوالي 9,000 شخص تتراوح أعمارهم بين 13-15 عاماً.
وقد كشفت النتائج عن أن حوالي 40 في المئة من اليافعين قد تعرضوا لصداع الأيس كريم في الماضي، لكن النسبة زادت بمقدار 15 في المئة بين أولئك الطلبة الذين اشتكوا من الصداع النصفي.
لذا اشتبهت فو، كغيرها من الباحثين الذين سبقوها في أن الربط بين هذين النوعين من الصداع يعود إلى ديناميكية تدفق الدم بين سقف الحلق والدماغ.
وبينما يواصل الباحثون سبر أغوار الجوانب العصبية والدموية لهذه الظاهرة، باتت بعض الأمور على الأقل أكثر وضوحاً.
فقد اكتشف طبيب في جامعة مكماستر بالتعاون مع ابنته الطالبة في المدرسة المتوسطة وزملائها أن المراهقين الذين طلب منهم أن يلتهموا صحنا من الأيس كريم لمدة خمس ثوان أو أقل كانوا عرضة للإصابة بصداع الأيس كريم أكثر مرتين من أولئك الطلبة الذين تناولوا طبق الأيس كريم في زمن أطول.
يوجد شيء ما له علاقة بسرعة تمرير المحفز البارد عبر الفم، الأمر الذي يزيد احتمال حدوث الصداع.
وبات كذلك من الواضح أن أشياء أخرى غير المثلجات يمكن أن تتسبب في الصداع، فالتعرض لبرد الشتاء يمكن أن يتسبب في الصداع كما لاحظ طبيب المركز البريطاني الطبي الأولمبي مارك هاريس: "كلنا نعلم عن الصداع الذي نشعر به في مقدمة الرأس خلال ثوان من قيادتنا للسيارة في هواء بارد. ويستمر الألم لمدة 20 أو 30 ثانية، ويتعزز مع موجة الهواء القادمة."
وبالنسبة لهواة التزحلق على الجليد فوق 48 عاما، فان تنفس هواء الجليد يؤدي أيضا إلى نوبات متكررة من تجمد الدماغ.
تقول ستايسي، طبيبة الأعصاب الأسترالية: "من الواضح أن الهواء البارد فوق حلبة الجليد والذي يدخل الجسم عن طريق الفم ويمر عبر الحلق، هو محفز للألم الذي يشعر به هذا المريض. ويستمر الألم حتى يزول المحفز، أي أن يتوقف المتزلج تماماً".
قبل حوالي 20 عاماً، أشار جوزيف هوليهان من جامعة تيمبل إلى أن الذين يعانون من صداع الأيس كريم يحتاجون إلى التخلي عن تناول الأيس كريم كلية.
ولما كان الجزء الخلفي من الحلق (الجزء اللحمي اللين) هو الذي ينتج الألم، فإن الذين يعانون من هذا الصداع يمكنهم ببساطة الحد من تناول الأطعمة المثلجة أو ملامسة الأطعمة الباردة لتلك المنطقة.
يقول هوليهان: "معظم الناس يتوصلون إلى تطبيق هذا الإجراء الوقائي دون الحاجة إلى نصيحة الطبيب"، فالأطباء لا يصفون الامتناع عن تناول الأيس كريم كعلاج لمرضاهم.
التعليقات على الموضوع